
لطالما كانت السينما وسيلة قوية لتسليط الضوء على الصراع المعقد والدائم بين فلسطين وإسرائيل. على مر السنين، أنتج صانعو الأفلام عددًا كبيرًا من الأفلام الوثائقية والروائية التي تتعمق في التجربة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي والصراعات الإنسانية المرتبطة بهذا الصراع. وتعتبر هذه الأفلام بمثابة مرآة للمجتمع حيث تلتقط الأبعاد متعددة الأوجه للمقاومة والصمود.
شكل من أشكال المقاومة
تعد السينما منصة لعرض مختلف أشكال المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، من المظاهرات السلمية إلى الثورة والمقاومة. هذه الأفلام تلهم المشاهدين وتمكنهم من التعاطف وتفهم محنة الفلسطينيين ودعم قضيتهم، مما يكشف عن قوة الروح الإنسانية في مواجهة الشدائد.
كما تعكس السينما استجابة المجتمع للصراع الإسرائيلي الفلسطيني. إنها تثير النقاشات وتتحدى التحيزات وتدعو للتأمل والعدالة، لتغدو هذه الأفلام حافزًا للتغيير، مما يساهم في فهم واقع العيش في ظل الاحتلال الإسرائيلي.
عمق القصص الإنسانية
إن التصوير السينمائي لفلسطين والاحتلال الإسرائيلي هو استكشاف عميق ومكثف للتجارب البشرية في خضم الصراع. توفر هذه الأفلام فهمًا متعدد الأوجه للتحديات التي يواجهها الفلسطينيون وتقدم منظورًا حميميًا لحياة الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال الإسرائيلي، مما يسمح للمشاهدين بالاحساس وفهم تلك المعاناة والنضال من أجل الحرية.
في جوهرها، تصل الأفلام عن فلسطين والاحتلال الإسرائيلي، سواء في شكل وثائقي أو روائي، إلى ما وراء الشاشة، وتعمل هذه الأفلام كأدوات قوية لتعزيز التعاطف والتفاهم والحوار بأوجه متعددة.
فيما يلي قائمة ببعض الأفلام المؤثرة التي توضح بشكل أفضل كيف عبرت السينما الفلسطينية عن القضايا المذكورة أعلاه بطريقة سردية ومرئية قوية مكنت المشاهد المحلي والدولي من الارتباط بها والتفاعل معها:
“المخدوعون” – 1972
للمخرج السوري توفيق صالح، الفيلم مأخوذ عن رواية للكاتب الفلسطيني غسان كنفاني، ويحكي قصة ثلاثة لاجئين فلسطينيين يحاولون عبور الحدود إلى لبنان في أعقاب الحرب.
يسلّط الفيلم الضوء على الضحايا والخسائر البشرية للنزاع والصراعات التي يواجهها الفلسطينيون الذين أجبروا على الفرار من ديارهم بسبب الكيان الصهيوني.
“جنين جنين” – 2002
فيلم وثائقي للمخرج محمد بكري، يروي الفيلم مجزرة جنين التي ارتكبها الاحتلال الإسرائيلي في عام 2002. يُسلط الفيلم الضوء على الجرائم التي ارتكبها الاحتلال بحق المدنيين الفلسطينيين، ويُظهر كيف حاول الاحتلال إخفاء الحقيقة عن هذه المجزرة.
“باب الشمس” – 2004
فيلم من إخراج يسري نصر الله يحكي قصة شاب فلسطيني يحاول العودة إلى قريته بعد النزوح القسري. يسلط الفيلم الضوء على معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي.
فيلم ذو صدى عاطفي يؤرخ للتجربة الفلسطينية في النكبة، حيث يتتبع الفيلم قصة يونس، وهو شاب فلسطيني أجبر على الفرار من قريته في شمال فلسطين خلال النكبة في عام 1948. يشق يونس طريقه في النهاية إلى مخيم للاجئين في لبنان، حيث يقضي السنوات 50 التالية في محاولة لإعادة بناء حياته.
يُروى الفيلم من خلال سلسلة من ذكريات الماضي، حيث يرقد يونس في غيبوبة في أحد مستشفيات بيروت. يجلس صديقه الدكتور خليل بجانب سريره ويروي له قصصًا عن ماضيهما المشترك في محاولة لإيقاظه. القصص التي يرويها خليل شخصية وسياسية، حيث يروي تجاربهم في النشأة في فلسطين والنكبة والسنوات التي تلت ذلك من المنفى والمقاومة.
باب الشمس، يقدم منظورًا فريدًا للتجربة الفلسطينية مظهرا معاناتهم وفي نفس الوقت يحتفي بقوتهم وصمودهم ونضالهم.
“الجنة الآن” – 2005
فيلم من إخراج هاني أبو أسعد، يروي قصة اثنين من الشباب الفلسطينيين اللذين يخططان لتنفيذ عملية استشهادية، يغوص الفيلم في أحلامهم، حبهم وعملهم قبل تنفيذ العملية. الفيلم يتناول دوافع الشباب الفلسطينيين للاستشهاد، حيث تعد العمليات الاستشهادية شكل من أشكال المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي.
“الزمن الباقي” – 2009
فيلم روائي طويل من إخراج إيليا سليمان، يروي قصة عائلة فلسطينية على مدار 60 عامًا، من نكبة 1948 إلى يومنا هذا. الفيلم يمزج بين الواقعية والسيريالية، ويقدم نظرة شاملة لتاريخ فلسطين وشعبها وكيف أثر الاحتلال على واقعهم.
أسلوب سليمان السينمائي الفريد، الذي يتميز باللقطات الطويلة، والحد الأدنى من الحوار، والصور السريالية، ينقل بشكل عميق لتوثيق التجربة الفلسطينية، كما استخدم الفكاهة لتخريب الدعاية الإسرائيلية وتسليط الضوء على نفاق الحكومة الإسرائيلية.
“عيون الحرامية” – 2010
من إخراج نجوى نجار، يستمد الفيلم أحداثه من شخصية حقيقية في العام 2002، في ذروة الانتفاضة الثانية، حين قتل قناص فلسطيني أحد عشر جندياً من جنود الاحتلال الإسرائيلي وتم اعتقاله، وهنا فإن شخصية البطل التي تتناولها النجار ليست بمعناها التقليدي؛ إذ تخوض في دواخلها وصراعها مع التعايش مع المحيط في إطار درامي، بين أب فقد ابنته ومنزله وبين رجل يريد الدفاع عن حقه في الحياة وأبسط حقوقه، حين يكتشف لاحقا غشا وتلاعبا من قبل قوات الاحتلال وكشف الدخلاء وكيف يتصرف إزاء ذلك.
ومن هنا، فإن النجار تعمد لتكسير تلك الصورة النمطية، لما يدور في فلسطين المحتلة وتلاعب الاحتلال والمقاومة بأشكال مختلفة للسكان المحليين يوميا، لاسيما حين تلفت النظر لتصرفات الاحتلال وهي كما في الفيلم سرقة الأراضي والمياه.
“مملكة النمل” – 2012
المخرج التونسي شوقي الماجري يحتفي بدور المقاومة وإيماناً منه بالقضية الفلسطينية، وتدور أحداث الفيلم، الذي قام الماجري بكتابته بالمشاركة مع خالد الطريفي، وصوّره بين سورية وتونس، حول تحديات المقاومة الفلسطينية في إطار يعكس الواقع المرير الذي يعيشه المدنيون، ومحاولاتهم المستمرة بالإمكانات البسيطة لردع المحتل، وإخراجه من أراضيهم.
كما يسلط “مملكة النمل” الضوء على عمليات القصف المتواصل الذي تتعرض له العائلات الفلسطينية داخل المنازل، من خلال شخصيات أساسية وهما الزوجان جليلة وطارق اللذان يعانيان من القمع على مدار 12 عاما بسبب انخراطهما في صفوف المقاومة.
الفيلم يكشف عمق العلاقات الإنسانية والعاطفية، والروابط القوية التي تجمع أهل فلسطين، بالرغم مما يعيشون من حروب مستمرة في أراضيهم المحتلة.
“لما شفتك” – 2012
من إخراج المخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر يقدم رواية مؤثرة حول حياة اللاجئين الفلسطينيين الذين نزحوا إلى الأردن بعد أحداث النكسة في عام 1967. يعكس الفيلم تجربة النازحين والتحديات التي واجهوها أثناء محاولتهم التأقلم مع حياتهم الجديدة في المخيمات.
يظهر الفيلم كيف أثرت أحداث النكسة على العائلة ودفعتها للهروب من واقعها وترك كل ما تعرفه خلفها. الفقدان والحاجة إلى بدء حياة جديدة في بيئة مختلفة تعكس صعوبة هذه التجربة.
كما يعكس الفيلم البحث عن الهوية الشخصية والوطنية للشخصيتين الرئيسيتين، خصوصًا طارق، الذي يحاول العثور على هويته الفلسطينية والمشاركة في الجهود بتحرير وطنه.
“عمر” – 2013
فيلم روائي طويل من إخراج هاني أبو أسعد، يروي قصة شاب فلسطيني ينضم إلى المقاومة المسلحة. الفيلم يتناول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من منظور شخصي، ويسلط الضوء على شجاعة الشباب الفلسطينيين الذين يقاتلون من أجل الحرية.
“المطلوبون 18” – 2014
يتناول فيلم “المطلوبون 18” الوثائقي، الانتفاضة الفلسطينية الأولى (1987 – 1991)، مستعرضاً جانباً من المقاومة الشعبية والعصيان المدني ضد الاحتلال الإسرائيلي أثناء تلك الفترة. وهو محاولة لإيصال الرواية الفلسطينية عن تلك الأحداث بخفة وذكاء: على لسان أبقار تبدو محايدة!
يروي الفيلم قصة ثماني عشرة بقرة قرر أهالي بلدة بيت ساحور إنشاء مزرعة ووضعها فيها إبان الانتفاضة الأولى؛ بهدف تحقيق نوع من الاستقلال الاقتصادي ومقاطعة البضائع والمنتجات الإسرائيلية، في خطوة من سلسلة خطوات اتُخذت حينها في سياق العصيان المدني.
يصور الفيلم قصة المزرعة كمثال على المقاومة الشعبية الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي. ويوضح الفيلم أن الفلسطينيين كانوا قادرين على تحقيق مكاسب ملموسة من خلال المقاومة الشعبية، حتى لو كانت هذه المكتسبات مؤقتة.
يوضح الفيلم أن الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلى قمع أي شكل من أشكال المعارضة الفلسطينية ويستخدم الفيلم الرسوم المتحركة والسخرية السوداء لتسليط الضوء على هذه القضايا بطريقة جذابة وفعالة.
“اصطياد أشباح” – 2017
فيلم وثائقي من إخراج رائد أندوني، يروي قصة تعذيب المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال الإسرائيلية. الفيلم يسلط الضوء على انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها الفلسطينيون في ظل الاحتلال الإسرائيلي وسجونه وانتهاكات لحقوق الإنسان.
“واجب” – 2017
يحكي فيلم “واجب” للمخرجة آن ماري جاسر عن واقع العيش تحت الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين من خلال تصويره لمدينة الناصرة، والتغييرات التي وقعت بها من منظور جيلين، وأثرها على المقيمين فيها.
يصور الفيلم الاحتلال الإسرائيلي من خلال تصويره للحواجز العسكرية التي تنتشر في المدينة، وتواجد الجنود الإسرائيليين في كل مكان. كما يصور الفيلم التأثير النفسي للعيش في ظل الاحتلال، حيث يشعر الفلسطينيون بالخوف والقلق وعدم اليقين.
ويتناول التغييرات الاجتماعية التي حدثت في الناصرة، مثل هجرة الشباب إلى الخارج، وارتفاع معدلات البطالة، وتراجع دور الأسرة. وأيضا يصور الفيلم التأثير السلبي لهذه التغييرات على المجتمع الفلسطيني.
يروي الفيلم قصة أبو شادي، وهو رجل مسن من الناصرة، وابنه شادي، الذي يعيش في الخارج. يعود شادي إلى الناصرة لحضور زفاف أخته، ويقضي يومًا مع والده في جولة بالمدينة. خلال هذه الجولة، يناقش الأب وابنه العديد من القضايا، بما في ذلك الاحتلال الإسرائيلي والتغييرات الاجتماعية في الناصرة.
“يد إلهية” – 2019
فيلم للخرج إيليا سليمان، يحكي قصة حب بين شاب فلسطيني من سكان الأرض المحتلة عام 1948 وفتاة فلسطينية من سكان الضفة الغربية المحتلة يلتقيان في سيارة عبر حاجز إسرائيلي، ويراقبان الوجع المتناثر والمعاناة على حواجز الاحتلال الإسرائيلية. الفيلم يمزج بين الواقعية والسخرية، ويقدم نظرة ثاقبة على الحياة اليومية للفلسطينيين.
“200 متر” – 2020
فيلم روائي طويل من إخراج أمين نايفة، يروي قصة رجل فلسطيني يحاول الوصول إلى عائلته عبر جدار الفصل العنصري الإسرائيلي. الفيلم يسلط الضوء على معاناة الفلسطينيين اليومية بسبب الاحتلال الإسرائيلي.
يتعمق الفيلم في الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية من خلال قصة مصطفى (علي سليمان)، الرجل الذي يجب أن يسافر 200 متر فقط للوصول إلى ابنه في المستشفى. ومع ذلك، فإن الجدار العازل الإسرائيلي يسد طريقه، مما يجبره على الشروع في رحلة محفوفة بالمخاطر.
يسلط الفيلم الضوء على التحديات اليومية التي يواجهها الفلسطينيون الذين يعيشون تحت الاحتلال، من العقبات المادية لنقاط التفتيش والجدران إلى الخسائر النفسية للعيش في حالة من عدم اليقين والخوف المستمر. رحلة مصطفى هي صورة مصغرة لحياة الفلسطيني وواقعه اليومي، حيث يضطر إلى التنقل في نظام معقد ومتاهة من البيروقراطية ونقاط التفتيش الإسرائيلية من أجل الوصول إلى أحبائه.
200 متر، يصور الاحتلال الإسرائيلي من خلال الجدار العازل، وهو عقبة رئيسية أمام الفلسطينيين الذين يعيشون في الضفة الغربية، نقاط التفتيش، حيث يتعرض الفلسطينيون في كثير من الأحيان لمعاملة مهينة وغير إنسانية، في حين أن البيروقراطية الإسرائيلية تجعل من الصعب على الفلسطينيين الوصول إلى الخدمات والمرافق الأساسية.
“الهدية” – 2020
يروي الفيلم قصة يوسف، فلسطيني من الضفة الغربية، يحاول شراء هدية لزوجته في عيد زواجهما. يواجه يوسف العديد من التحديات بسبب الاحتلال الإسرائيلي، بما في ذلك الحواجز العسكرية والتفتيشات المتكررة.
يقدم الفيلم صورة قوية لكيفية سلب الاحتلال للفلسطينيين حقوقهم الإنسانية وحريتهم، مما أدى إلى انقسام المجتمع وانعكس بشكل سلبي على الاقتصاد الفلسطيني.
“غزة مونامور” – 2020
للمخرجين طرزان وعرب ناصر، يتحدث فيلم “غزة مونامور” عن واقع العيش في الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين من خلال تصويره لقصة حب بين عيسى، وهو صياد في الستين من عمره، وسهام، وهي أرملة في الأربعينيات من عمرها. تعيش هذه الشخصيات في مدينة غزة المحاصرة، حيث يواجهون العديد من التحديات، بما في ذلك الحصار الإسرائيلي والحرب المستمرة.
يسلط الفيلم الضوء على هذه التحديات من خلال تصويره للظروف المادية الصعبة التي يعيشها الفلسطينيون في قطاع غزة، مثل انقطاع الكهرباء ونقص الغذاء والدواء. كما يصور الفيلم التأثير النفسي للعيش في ظل الاحتلال، حيث يعاني الفلسطينيون من الشعور بالخوف والقلق وعدم اليقين.
“فرحة” – 2021
من إخراج دارين ج. سلام، تدور أحداث الفيلم في عام 1948، عام النكبة، ويحكي قصة فتاة فلسطينية تدعى فرحة حيث يحبسها والدها في مخزن لحمايتها من جيش الاحتلال الإسرائيلي.
يسلط الفيلم الضوء على وحشية الاحتلال الإسرائيلي وهم يذبحون المدنيين الأبرياء، بمن فيهم النساء والأطفال. ويتسق هذا التصوير مع تجارب العديد من الفلسطينيين الذين عاشوا تحت الاحتلال الإسرائيلي.
ومن خلال صمود الشعب الفلسطيني على الرغم من وحشية الاحتلال الإسرائيلي، يواصل الفلسطينيون المقاومة والنضال من أجل حريته. فرحة نفسها هي رمز للمقاومة. نجت من مذبحة قريتها وهربت إلى بر الأمان. قصتها شهادة على قوة وتصميم الشعب الفلسطيني.
كما يُظهر الفيلم أهمية تذكر النكبة التي تشكل محور أساسيا ونقطة تحول في التاريخ الفلسطيني، ومن المهم أن نتذكر أحداث ذلك الوقت حتى نتمكن من التعلم منها والعمل على منع حدوث مآسي مماثلة في المستقبل.
خاتمة
تعتبر هذه الأفلام التي تحكي عن معاناة الفلسطينيين مع الاحتلال الاسرائيلي أدوات قوية لزيادة الوعي، وهي بمثابة عدسة قوية لفهم التكلفة البشرية للصراع فضلا عن كونها مشاهدة أساسية لدور السينما التي تعمل كوسيلة قوية لتعكس المقاومة والنضال من أجل الحرية.
إسراء الردايدة
صحافية سينمائية وكاتبة ومحررة SEO في جريدة الغد والجوردان نيوز.